الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أخرج الأمة المظلومة المنهوبة المسلوبة، إلى فضاء النور والريادة والقيادة، أخرج الأمة المسكينة من التبعية المقلدة إلى أمة قائدة رائدة معلمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
حكم تارك الصلاة
يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } أمره الله أن يقاتل هذا الإنسان حتى يسجد لله، فالمفاصلة بين الإنسان وبين الدين، يوم أن يتهاون أو يترك الصلاة، أو يتنكر للصلاة، أو لا يتعرف على بيت الله، أو لا يسجد لله، حينها يصبح هذا الإنسان لا قداسة له، ولا حرمة أو مكانة، أو قيمة.
هذا الإنسان يوم يترك الصلاة يكون دمه رخيصاً لا قيمة له، يسفك وتهان كرامته ويعزر بقطع رأسه، قيل: حداً، وقيل: قتلاً على الكفر وهو الصحيح، والرسول عليه الصلاة والسلام يأمره الله أن يشهر السيف، فيقاتل هذا الإنسان حتى يعترف بالصلاة ويصليها، يقول الله عن جيل من الأجيال تهاونوا بالصلاة: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59].
قال أحد السلف : أما إنهم ما تركوها، ولكن أخروها عن أوقاتها، أي إسلام لمسلمٍ يدعي الإسلام وهو يترك الصلاة حتى يخرج وقتها؟
أي دين له؟
ما معنى لا إله إلا الله لرجل تأخره تجارته أو وظيفته أو عمله أو منصبه، أو اجتماعه عن الصلاة، ثم يأتي بعدها يتبجح على الأمة وعلى العالم، أنه مسلم بهويته، لا إله إلا الله، وأين الصلاة؟
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] إنهم يصلون، لكن صلاة العصر مع غروب الشمس، وصلاة الظهر الساعة الثانية، وصلاة المغرب مع العشاء، وصلاة الفجر مع طلوع الشمس فأين الإسلام؟
وأين لا إله إلا الله؟
وأين التحمس للدين؟
حضرت رسول الله عليه الصلاة والسلام معركة الأحزاب -قبل أن تنزل صلاة الخوف- فقام يقاتل المشركين ويجاهدهم، دمه يثعب من جراحه، في مخاصمة لأعداء الله، فنسي صلاة العصر حتى غربت الشمس، ما نسيها لأنه في لهوٍ حاشا وكلا، أو في سهوٍ حاشا وكلا؛ بل نسيها من احتدام الخصم، اليهود والمشركون، عملاء الصهيونية العالمية والمنافقون، أنسوه صلاة العصر، فلما غربت الشمس قال لـعمر : {أخرونا عن صلاة العصر أو شغلونا عن صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً } ثم قام عليه الصلاة والسلام فصلاها فأنزل الله صلاة الخوف، وهذه الصلاة يصليها الخائف في صف القتال، يصليها الذي يمتطي الدبابة، والمريض على السرير، والجريح وهو في جراحه، ولا يعذر أحد، كل عبادة لها مجال في الغالب إلا الصلاة، إن تأخير الصلاة عن وقتها معناه النفاق الصريح الذي وقع فيه كثير من الناس، إلا من رحم ربك، يقول عليه الصلاة والسلام في سكرات الموت: {الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم } أي دين بلا صلاة؟
ما معنى لا إله إلا الله؟! وما معنى الانتساب إلى الإسلام بلا صلاة؟! يقولون: مسلمون ولكن لا صلاة! أو تهاون ونقر وتأخير للصلاة فأين الإسلام؟! وأين لا إله إلا الله؟!
وأين الصدق مع الله؟
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناسٍ لا يشهدون الصلاة معنا فأحرَّق عليهم بيوتهم بالنار } وعند أحمد : {والذي نفسي بيده، لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لحرقت عليهم بيوتهم بالنار } لماذا؟ لأنهم أصبحوا في عداد المنافقين، يتذرعون بالإسلام، ولكن لا يصلون الجماعة مع الناس، ويدَّعون لا إله إلا الله، لكن تؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، أو حتى يخرج وقتها، سئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الأعمال فقال: {الصلاة في أول وقتها } يقول عليه الصلاة والسلام: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } دمه مسفوك بسيف الشريعة، وهو خارج من الملة، لا طهر له ولا قداسة وحرمة، وعرض، ويصبح لا حماية له أو حصانة أو صيانة؛ لأنه حارب الله.
هدي السلف في المحافظة على الصلاة
يقول عليه الصلاة والسلام: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة } لم يعذر الرسول عليه الصلاة والسلام أحداً في ترك صلاة الجماعة، إلا من عذره الله، مريضاً كأن يكون مرضاً لا يصل به جسمه إلى المسجد، ومع ذلك يقول ابن مسعود : [[والذي نفسي بيده لقد كان يؤتى بالرجل يهادى به بين الرجلين من المرض حتى يقام في الصف ]].
مرض أحد التابعين -اسمه ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير - وهو في مرض الموت سمع أذان المغرب، قال لأبنائه: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت مريض وقد عذرك الله، قال: لا إله إلا الله، أسمع حيّ على الصلاة حيَّ على الفلاح، وأصلي في البيت، والله لتحملوني إلى المسجد، فحملوه إلى المسجد، ولما سجد السجدة الأخيرة، من صلاة المغرب، قبض الله روحه، يقول: أهل العلم: كان هذا الرجل في حياته إذا صلى الفجر يقول: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، يعني: الجميلة البديعة الرائعة.
فقال له بعضهم: ما هي الميتة الحسنة؟
قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد.
الميتة الحسنة: أن يتوفاك ربك بعد فريضة أو في صف الجهاد في سبيل الله، أو وأنت على طهارة، أو وأنت في السجود، أو وأنت تطلب العلم، أو وأنت منفق في سبيل الله.
والميتة القبيحة: أن يتوفى الله البعيد وهو على الأغنية الماجنة، أو على السهرة الخليعة، أو على كأس الخمر، أو في سفر في طلب الفاحشة، هذه هي الميتة القبيحة، التي تعوذ منها الصالحون.
وهذا سعيد بن المسيب عالم التابعين، كان بيته في أقصى المدينة ، وكان يأتي في ظلام الليل إلى مسجد المصطفى عليه الصلاة والسلام، قال له إخوانه: [[خذ سراجاً لترى به الطريق في ظلام الليل، قال: يكفيني نور الله ]] وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].
ولذلك في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة } هل سمعتم أجمل من هذه العبارة: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة } أفي القيامة ظلمات؟!
أفي القيامة ليل؟
إي والله، ليل أدهى من الليل، وظلمة أدهى من الظلمة، يجعلها الله لأعداء المساجد، وللذين انحرفوا عن بيوت الله، فتظلم عليهم طرقاتهم: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [الحديد:13] فلا نور لمن لا نور له.
كان سعيد بن المسيب عالم التابعين، على عين واحدة، ذهبت عينه، لماذا؟
قالوا: من كثرة البكاء في السحر من خشية الله، وكان يذهب بهذه العين في ظلام المدينة إلى المسجد، يقول في سكرات الموت وهو يتبسم: [[والله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد ]] فهو قبل الأذان في المسجد، لكن أتى خلف أكلوا نعم الله، وتمرغوا في أيادي الله، ونسوا حظهم من الله، فأصبحت الصلاة في حياتهم من آخر الاهتمامات.
ودع عمر رضي الله عنه وأرضاه سعداً إلى القادسية فأخذه إلى جنب وقال: يا سعد ! أوصِ الجيش بالصلاة، الله الله في الصلاة، فإنكم إنما تهزمون بالمعاصي، فأوصيهم بالصلاة.
وكان الصحابة إذا حضر الخوف وامتشجت السيوف، وأشرعت الرماح وتنزلت الرءوس من على الأكتاف تركوا الصفوف لطائفة، وقامت طائفة تصلي:
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهـم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا
حضر أجدادنا الذين فتحوا الدنيا بلا إله إلا الله، حصار كابل عاصمة أفغانستان ، فطوقوها من كل جهة، ولبسوا أكفانهم، لا إله إلا الله، لباسهم الأكفان! لأنهم يريدون الحياة في عز، أو الموت في سبيل الله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ [التوبة:52].
إما الموت، وإما الحياة:
فإما حياة نظّم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنـا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
وقفوا بأكفانهم يحاصرون كابل ، ولما صلوا الظهر قال القائد العظيم قتيبة بن مسلم ، وقد كان قبل المعركة يبكي ويمرغ وجهه في التراب ويقول: اللهم انصرنا فإن النصر من عندك، فلما وقف بعد صلاة الظهر، وكان جيشه مائة ألف، قال: ابحثوا لي عن الرجل الصالح محمد بن واسع ، أين هو؟
وكان محمد بن واسع هو مفتي الجيش، الإمام الزاهد العلامة، قال: ابحثوا لي أين هو في هذه الساعة؟
فهذه هي ساعة الصفر، ساعة يتنزل النصر من السماء، وهي ساعة بيع الأرواح، وتفتح الجنان، واستقبال الحور العين للشهداء، ساعة حضور الملائكة، فالتمسوه فوجودوه، يبكي وقد اتكأ على رمحه ورفع أصبعه يقول: يا حي يا قيوم! فأخبروا قتيبة فدمعت عيناه، ثم قال: والذي نفسي بيده، لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير، وابتدأت المعركة، وانتصر المسلمون وصلوا صلاة العصر داخل كابل .
إنها الصلاة التي هي الحياة، حياة القلوب، إنها الميثاق، والعهد الذي بين الإنسان وبين الله ألا يتركها، ويوم يتركها أو يتهاون بها، أو لا يصليها مع استطاعته جماعة، فاعلم أنه قد أدركه الخذلان، وأن حبل الله قد انقطع منه، وأن اللعنة قد نالته.
عباد الله: إن من أسباب سعادتنا وحفظ الله لنا، ورغد العيش الذي نعيشه، أن نحافظ على عهد الله في الصلاة، وأن نتواصى بها، يقول لقمان عليه السلام لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17].
فهل من مصل؟
وهل من داع إلى الصلاة في أول وقتها؟
وهل من حريص على تلكم الشعيرة العظيمة، التي أتى بها عليه الصلاة والسلام؟
طعن عمر رضي الله عنه في صلاة الفجر، ففاتته ركعة واحدة عندما غلبه الدم، وحمل على أكتاف الرجال، ووصل إلى بيته، فقال: هل صليت؟ قيل: بقيت عليك ركعة، فقام يصلي فأغمي عليه، ثم عقد الصلاة فأغمي عليه ثم أتم الركعة، فقال: [[الحمد لله الذي أعانني على الصلاة، الله الله في الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ]] من حفظ الصلاة حفظه الله ومن ضيع الصلاة ضيعه الله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].
وربما أخرت الصلاة عند بعض الناس في ظرف الاصطياف، وهذا الظرف ربما هذا الرغد والأمن والسكينة تجعل بعض النفوس تلهو وتبتعد عن الله، أو تأخر فريضة الله، بحجة النزهة، أو الزيارة، أو التفرجة، فالله الله يا عباد الله في الصلاة، في وقتها، بخشوعها وخضوعها علَّ الله أن يثتبنا ويحفظنا ويرعانا.
فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
اسألكــم الدعــاء